مابعد انتخابات الثامن من شتنبر وبلاغة العنف السياسي ضد المرأة بالمغرب ..

 محمد دخاي :

انتهت  الانتخابات العامة التي جرت يوم 8 شتنبر الجاري بالمغرب دون  أن تحقق المراد منها فيما يخص دعوة المشرع المغربي ، إلى تأنيث المشهد السياسي وإعمال مقتضيات الدستور في اتجاه تحقيق المناصفة  وتعزيز المشهد السياسي  ، لان أن اللوائح المحلية مثلا لم تعرف إدراج ترشيحات النساء بالكثافة المرجوة أملا في ضمان المناصفة.

النتائج التي حصلت عليها النساء في الاستحقاقات الأخيرة تبقى إيجابية نوعا ما في ظل  التعديلات التي قام بها المشرع المغربي في هذا المجال من أجل تأنيث المشهد السياسي وإعمال مقتضيات الدستور ذات الصلة في سبيل تحقيق مبدأ المناصفة لكنها تبقى غير كافية بحكم أن الأحزاب السياسية لا تثق في المرأة لإشراكها ضمن دائرة القرار الحزبي  في سياق ما يعيشه المغرب من دينامية سياسية، ومن استعداد للاستحقاقات الانتخابية الثالثة من نوعها بعد دستور 2011.

 إن واقع المشاركة النسائية في العمل السياسي في العالم العربي ، وكما تناولته ا لعديد من الدراسات  كشفت عن تعرض حوالي 80 في المائة من النساء البرلمانيات العربيات لشكل أو أكثر من أشكال العنف، سواء العنف النفسي واللفظي أو التهديد بالعنف الجسدي، وهو يعد من  الأسباب الأساسية التي تراه  الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بأنه كان سببا في ضعف المشاركة السياسية للنساء وتسجل بأن هذه الممارسات بالإضافة إلى إقصاء بعض المناضلات القياديات من الترشيح للانتخابات البرلمانية أو الجهوية هو مس بحقوق النساء وتمييزا ضدهن ومثال حي عن غياب إستراتيجية للتمكين السياسي للنساء.وتعرضهن للمضايقات التي تتعرض إليها النساء العازمات على الترشح داخل الأحزاب السياسية للحصول على التزكيات، والتي حولت نظام الحصة (الكوتا) من آلية ديمقراطية من أجل مشاركة سياسية أكبر للنساء في تسيير الشأن المحلي والوطني أداة للتحكم والإقصاء والمتاجرة، قد تصل حد الابتزاز عند تقديم طلب ترشيحهن للانتخابات التشريعية والجهوية وهن يواجهن هذا النوع من العنف دون أية حماية من الدولة وفي ظل غياب أي معايير لاختيار وترتيب المرشحات.

وترى بعض الجمعيات الحقوقية بان  الاعتداءات التي تعرضت لها المستشارات حوادث عرضية تخص حالات منفردة بل هي ظاهرة تدخل في إطار العنف السياسي المبني على النوع الاجتماعي، والذي يهدف من خلاله المعتدون إلى  إرهاب النساء وعزلهن عن الفضاء العمومي وإقصائهن من العمل السياسي، مما يزكي أهمية مراجعة قانون مناهضة العنف ضد النساء وهو ما يزكي خطورة مثل هذه الممارسات التمييزية وأثرها الجسيم على المشاركة السياسية للنساء، كونها، من جهة، ترمي إلى إرهاب النساء وإبعادهن عن العمل السياسي وإقصائهن من تدبير الشأن العام الوطني والترابي عن طريق تعنيفهن وإهانة كرامتهن ، وكونها، من جهة أخرى، تتسبب في نوع من النفور والعزوف في صفوف النساء من خلال تسويق صورة سيئة ومسيئة عن المشاركة السياسية.

 إن تحقيق مطلب نطالب السلطات والجهات المختصة بضمان الحماية للنساء وتوفير الظروف الملائمة لهن مستقبلا كمنتخبات وسياسيات والعمل على الحد من التمييز والإقصاء الذي تتعرض إليه النساء عن طريق مأسسة المساواة داخل الأحزاب السياسية والتسريع بتفعيل هيئة المناصفة ومناهضة جميع أشكال التمييز وهو مالا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إصلاح المنظومة الانتخابية وعلى رأسها القانون التنظيمي لأحزاب السياسية باعتماد مقاربة تشاركية تأخذ بعين الاعتبار مقترحات المجتمع المدني والجمعيات النسائية لضمان تمثيلية أكبر للنساء وتمكينهن سياسيا وفاء بالتزامات المغرب بإعلان وبرنامج عمل بكين، وبأهداف الألفية للتنمية.

وعيا منها بأهمية تحقيق المناصفة ومناهضة العنف السياسي  ضد النساء ، دعت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب إلى التمكين السياسي للنساء أولا عن طريق تسهيل ولوجهن للمجالس المنتخبة وطنيا وترابيا ، وثانيا من خلال توفير الظروف المناسبة لقيامهن بالأدوار السياسية التي انتخبن من أجلها وكذا العمل على توفير الحماية لهن من كل أشكال التضييق والتمييز والعنف، إحقاقا لمبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور وتعزيزا لحق النساء في المشاركة السياسية وتدبير الشأن العام بعيدا عن العقلية الذكورية الإقصائية التي تعتبر السياسة حكرا على الرجال  علما أن  الانتخابات الأخيرة بينت على أن المرأة المغربية بينت عن قدرتها  على القيام بحملتها الانتخابية، سواء في الميدان عن طريق التواصل مع المواطنين والمواطنات وتوزيع المنشورات، أو عن طريق التواصل الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأن هناك بعض الفيديوهات الخلاقة تتعرف من خلالها النساء على المرشحات بأنفسهن، وببرنامجهن الانتخابي وهو ماعملت الجمعيات الحقوقية المهتمة بالقضايا النسائية  بالدعوة إليه رفع التمثيلية السياسية للمرأة كامتداد لما عرفه المغرب  من إصلاحات دستورية، مكنت المرأة من حقوق جديدة تضمن لها المواطنة الكاملة، وهي مكتسبات لا يمكن أن تتحقق إلا بإصلاحات سياسية وقانونية حقيقية تعجل بتحقيق التغيير المنشود، باعتبار الترابط بين هذه المجالات وانعكاساتها المباشرة على أوضاع المرأة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ،  كتصور شمولي يستحضر كل مكونات الفعل السياسي، فلا تمثيلية حقيقية بدون منظومة تشريعية متطورة مؤطرة للعملية الانتخابية ولا تمثيلية ديمقراطية بدون تقطيع انتخابي متوازن وصادر عن البرلمان، ولا تمثيلية ديمقراطية بدون معايير شفافة وواضحة لاختيار المرشحين داخل الأحزاب السياسية ولا تمثيلية ديمقراطية دون تمثيلية قائمة على الإنصاف بين الجنسين وبين جميع التيارات، تضمن الحق في الانخراط من داخل المؤسسات، في بناء مغرب جديد ديمقراطي يكون ملكا لجميع أبنائه.

ومن المبادرات التي ناقشت  قضية العنف السياسي على النساء ، مبادرة  ائتلاف “المناصفة دابا” الذي يضم جمعيات الدفاع عن حقوق النساء وحقوق الإنسان وقيادات حزبية نقابية  والتي دعت إلى جمع توقيعات على عريضة “تفعيل المناصفة الدستورية الفعلية في أفق 2030″، التي تهدف إلى تعزيز حضور المرأة على الساحة الوطنية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وفق الفصل 19 من الدستور، وكذا تسريع عملية بناء المغرب الديمقراطي، إضافة إلى وضع قانون إطار يحدد قواعد المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء، وتقوية وظيفة البرلمان في مراقبة التطبيق الفوري للنصوص القانونية المتعلقة بتمثيلية النساء في جميع المجالات بل والدعوة إلى إعداد “كتاب أبيض” من أجل المناصفة في المجال السياسي والمؤسساتي من خلال القيام بمسح شامل للنصوص التشريعية المعنية بموضوع تمثيلية المرأة في هيئات ومؤسسات صنع القرار على المستوى الوطني والمحلي، وتقديم مقترحات تهدف إلى إدخال تعديلات عليها بما يحقق المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء.

كما قام  الائتلاف بتقديم مشروع المناصفة إلى مجلس النواب من أجل تنزيل المناصفة في إطار قانون خاص قائم على منهجية مندمجة لحقوق النساء بحيث يكون تطبيقه من مسؤولية جميع الهيئات العمومية والخاصة: الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية الوطنية والمحلية والشركات وفق ماينص عليه الفصل التاسع عشر من الدستور وهي العريضة التي قبلها البرلمان المغربي حيث  أشاد الائتلاف بمبادرة انفتاح المؤسسة التشريعية على المجتمع المدني وتجاوبها مع المطالب الحقوقية والاجتماعية هو تشجيع للمبادرات الهادفة وبناء جسور الثقة بين الفاعلين والمؤسسات، وترسيخاً لمبدأ الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون، والمساهمة في توسيع المشاركة النسائية في كل المجالات، انسجاماً مع روح ومضمون الدستور الذي كرّس مبدأ المساواة ومكافحة كل أشكال التمييز”.

إن الطريق إلى المناصفة لا يزال طويلاً، حيث لا يرتبط الأمر فقط بالإقرار بذلك في الدستور وفي التشريعات المتفرعة عنه وبالقرارات السياسية على أهميتها، لكن بالأساس بالثقافة المجتمعية، بتمثلات المجتمع لقضايا وحقوق النساء، بتمكين النساء من وسائل الاستقلال في التفكير والقرار، ومن وسائل الرقي الاجتماعي والتفتح، أي من التعليم والتكوين والولوج إلى المعرفة.

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .

المقال التالي