الأقصر (مصر)- :
أعادت محاضرة للدكتور غانم السعيد، الناقد واللغوي وعميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر في القاهرة، والتي ألقاها في الندوة الأسبوعية لبيت الشعر المطل على طريق الكباش الفرعوني، بمدينة الأقصر في صعيد مصر، أجواء السجالات الأدبية التي عرفتها الحضارة العربية منذ عهود خلت.
وشهدت مداخلات ونقاشات موسعة بين المحاضر والجمهور الذي تقدمه لغويون وأكاديميون وشعراء، من بينهم الباحث في علوم اللغة الدكتور النوبي فتحي وآخرون تباينت آراؤهم بين مؤيد ومعارض لما تناولته المحاضرة من رؤىً في مجال اللغة، والحرف ودلالاته في الدراسات الأدبية.
السجال الأدبي كان دائما جزءا من الحراك الأدبي والثقافي. إنه الوجه المشرق للنقد، باعتباره مولدا للأفكار.
ولكن تحول السجال إلى ظاهرة سلبية فلا يكاد يخمد سجال بين كاتبين إلا ليبدأ آخر لا يقل عنه عنفا. وإذا كان العداء ظاهرة إنسانية ضاربة في القدم، تزداد جرعتها مع لحظات ضغط الحياة اليومية، فإن الكثير من الكتاب يجعلون من الحقد قوتَهم اليومي وطريقتهم للتمرن على شحنة الغرور الزائدة، وأحيانا ممرهم نحو مجد وهمي لا يستقيم إلا عن طريق تحطيم الآخر، بدل أن يكون ذلك عن طريق الكتابة وقوتها.
الدراسة تناولت وحي الصوت والحروف وعلاقتها بحالة الكاتب وطبيعة النص كما بينت الدراسات الأدبية للقدامى والمحدثين
ورغم صورتها السلبية تلك لن تتوقف السجالات الأدبية والفكرية عند هذه اللحظة، بل ستظل ملح كل اللحظات الأدبية والثقافية الإنسانية، باعتبارها الوجه الحقيقي لممارسة الاختلاف. أما الكُتاب الذين يمتهنون النميمة بدل امتلاك القدرة على التناظر عن طريق الأفكار فقد كُتب علينا أن يكونوا بيننا.
واعتبر الشاعر حسين القباحي، مدير بيت الشعر الذي أدار الندوة، أن الدراسة التي استعرضها الدكتور غانم السعيد بمحاضرته هي “دراسة رصينة” حركت المياه الراكدة وأثارت سجالا ونقاشا وجدلا بين المحاضر والحضور من الشعراء والنقاد وخبراء اللغة، مؤكدا على استمرار بيت الشعر بالأقصر في تنظيم مثل هذه الندوة بهدف إثراء الساحة الشعرية والأدبية وفسح المجال واسعا أمام عرض مختلف الرؤى ووجهات النظر في قضايا الشعر واللغة والثقافة والفنون بكل فروعها.
وفي حديثه تناول الدكتور غانم السعيد ظاهرة الحرف ودلالته عند علماء الصوتيات وعلماء البلاغة والإعجاز القرآني، في أعمال الأدباء من القدامى والمحدثين.
وكما أكد الكثير من الباحثين فإن الخليل بن أحمد الفراهيدي كان من الأوائل الذين أدركوا أن أصل اللغة محاكاة للطبيعة، بمعنى أن أول أمرها بالمماثلة لأصوات المسموعات، ثم تطورت حتى تباعد ما بين مدلولاتها الحسية الأولى ومدلولاتها المعنوية التي آلت إليها، كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونحو ذلك ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد.
فالنغمة الموسيقية أساسية إذن في اللغة العربية لأنها أساس الأبنية والقوالب والأوزان في اللفظ العربي مما يعطي طابعا تناغميا بين اللفظ والمعنى، وهذه “الرموز” كأنها مفاتيح النوتة الموسيقية التي يستعملها عازف الجوقة الموسيقية.
وحلل الباحث الظاهرة الصوتية من مختلف النواحي خاصة في علاقة الصوت بالحالة الشعورية أو النفسية، فيما انقسم الحضور بين مؤيد للظاهرة وبين متردد في قبولها أو رفضها، نظرًا إلى وجود دلائل على وجود الظاهرة، ومنهم من رأى أنها تنطبق فقط على مجموعة من الحروف في اللغة العربية التي يوافق نطقها معناها أو دلالتها.
وأشار السعيد إلى أن هناك من ربط بين وجود حروف معينة وصفات معينة في النص وبين الحالة الشعورية التي عليها الشاعر؛ فإذا كان الشاعر غاضبًا تغلب على كلامه حروف الجهر وهي حروف الشدة والقوة، وحينما يكون الشاعر خائفًا مثلًا فإنه تغلب على حروفه حروف الهمس التي تناسب حالته الشعورية.
وألمح إلى أن أكثر من اهتموا بهذه الظاهرة في اللغة العربية هم علماء الإعجاز من القدامى والمحدثين وقد التفت الإمام الزركشي إلى هذه الظاهرة وهو يحلل حروف التهجي التي تبدأ بها بعض سور القرآن، وقد خرج بنتيجة تؤكد على وجود هذه الظاهرة حيث يرتبط الحرف ونطقه بمعناه ودلالته.
ويذكر أن الدكتور غانم السعيد هو أحد الوجوه المعروفة في مجال الأدب والنقد واللغة، وقد حصل على درجة الماجستير في الأدب والنقد عن دراسته المعنونة بـ”محمود محمد الصادق.. حياته وشعره”، وحصل على درجة الدكتوراه عن دراسته التي حملت عنوان “النتاج الأدبي للشيخ محمد الصادق عرجون: موضوعاته وخصائصه”، وقد شغل مناصب أكاديمية عدة، وعمل داخل مصر وخارجها، ويشغل الآن منصب عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر في العاصمة المصرية القاهرة.
أما بيت الشعر في الأقصر، المطل على طريق الكباش الفرعوني، فهو أحد بيوت الشعر التي أقيمت برعاية الشارقة، والتي تنتشر في عدد من المدن والعواصم العربية.
Comments ( 0 )