الإعلام الأجنبي الناطق بالعربية يستغل ضعف المنابر المحلية…

المحرر:

شجعت النتائج الإيجابية التي حققتها فضائيات أجنبية بعض القوى الإقليمية والدولية على ضخ مبالغ طائلة للتأثير في توجهات الرأي العام العربي، فأصبح لكل دولة لها مصالح في المنطقة منصة أو أكثر تخاطب بها الجمهور وتحاول الترويج لرؤاها العامة، بهدف إيجاد انطباعات إيجابية والترويج لسياسات تخدم مصالحها.

وشرعت قوى متباينة في تدشين الكثير من وسائل الإعلام الحديث والتفاعل مع الرأي العام العربي بغرض محاصرته، حيث يفتقر للوجبات الدسمة إعلاميا في ظل سباق محموم تقوم به غالبية الوسائل للدعاية المباشرة للأنظمة الحاكمة، ووجد الإعلام الأجنبي في الفراغ المحلي فرصة لزيادة نفوذه وتأثيره والترويج لأجنداته السياسية.

وطرح تزايد المنصات الأجنبية الناطقة بالعربية الكثير من الأسئلة في الوسط الإعلامي، هل جذبت هذه الوسائل جمهورا كبيرا من منصاته المعتادة العربية والمحلية؟ وهل الزخم الذي يعيشه هذا النمط من الإعلام أضاف نوعية جديدة من الوسائط تتسم بالحرية والمصداقية أم رضخ لضوابط معينة حسب شكل العلاقات السياسية بين دولة المنبع والجهات المستهدفة؟

محمد سعيد: إمكانات الوسيلة الإعلامية لا تشتري مصداقيتها
محمد سعيد: إمكانات الوسيلة الإعلامية لا تشتري مصداقيته

ويرى البعض أن موضة التوسع في الفضائيات التقليدية على غرار “بي.بي.سي”. انتهت أو كادت تنتهي، ولم يعد التقدم أو الجاذبية الأميركية التي حدثت مع بداية انطلاق قناة مثل “الحرة” أو “راديو سوا” أو حتى موقع “سي.أن.أن” بالعربي ومنصات التواصل التي تخدمهم كما كانت منذ جرى تدشين هذا النوع من الإعلام الغربي، فالخطوة التي تحققت في البدايات تراجعت حاليا، وهو ما يمكن سحبه على وسائل الإعلام التابعة لكل من روسيا والصين وفرنسا وأيضا بريطانيا العريقة في هذا المجال، وحتى ألمانيا ووسائلها مثل “دويتشه فيله” لم تسلم من هذا التراجع.

وبات الإعلام التابع لقوى إقليمية أشد وضوحا في الخطاب التابع لكل من تركيا وإيران وإسرائيل، وتبدو تجربة إثيوبيا متعثرة في مهدها لأنها اعتمدت على الدعاية لحكومتها، والتسويق لخطاب زاعق يرمي لتقديم رؤية مضادة لما هو سائد مصريا.

ويقول خبراء إعلام إن معيار التقدم والتأخر في التأثير على الجمهور العربي عملية نسبية لعدم وجود وحدات نزيهة لقياس هذه المسألة وفقا لتصنيفات الجمهور العربي، فهو ليس كتلة واحدة صماء، فالتدافع الذي يمكن أن يحدث لوسيلة إعلام أجنبية قد لا يحدث لأخرى، لأن هناك استنفارا مسبقا أحيانا حيالها، فإسرائيل التي دشنت مجموعة كبيرة من المواقع الإلكترونية الحديثة وضاعفت نشاطها على منصات التواصل تجد نفسها أمام مهمة صعبة في استقطاب شرائح كبيرة من الجمهور العربي.

وعلاوة على أن الخطاب المؤدلج في الوسائل التابعة لبعض الدول زاعق بما يكلفه انخفاض واضح في منسوب المصداقية، فإيران التي تتبعها قنوات مثل “العالم” و“الميادين” وصحيفة “الأخبار” اللبنانية ووكالة فارس للأنباء التي وضعت نسخة عربية لها تكاد تكون شبيهة بالوسائل التركية على غرار وكالة “الأناضول” وصحيفة “يني شفق” والكتائب الإلكترونية السرية، فكلها وسائل تبث رسائل على مدار الساعة موجهة ما يحصر متابعيها في القطاعات التي لديها ميول سياسية إيجابية تجاهها.

وتراجعت فكرة الحياد التي نجحت “بي.بي.سي” في التبشير بها مبكرا، ولم تستطع وكالات الأنباء العالمية التي تقدم نسخا عربية باعتبارها قاطرة تجر وسائل الإعلام المختلفة كوسيط للوصول للجمهور، وحلت مكانها الحسابات السياسية المعقدة التي تتحكم في تفكير كل دولة لها مصالح في المنطقة العربية تفرض عليها امتلاك الأدوات اللازمة لحفر صورتها النمطية بالطريقة التي تريدها.

وأوضح عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة محمد شومان، أنه لا توجد مسوح رأي عام دقيقة توضح مكانة المحطات الأجنبية الناطقة للعربية وسط سيل من الفضائيات المحلية، وفي كل الحالات تبقى أكثر تأثيرا في المشاهدين لتمتعها بدرجة أعلى من المهنية في التعامل مع القضايا السياسية، مع التسليم بكونها تخدم التوجهات الخارجية للدول التي تمولها، لكنها في نفس الوقت تؤدي دورها بقدر أعلى من المهنية.

وذكر شومان في تصريح لـ”العرب” أن المحطات الأجنبية تضع مجموعة من القيم على رأس التغطية الإعلامية التي تقدمها بنسبة أكبر من نظيرتها التي تضعها القنوات الإخبارية العربية أو الفضائيات المحلية، بالتالي تكون مصدر ثقة أعلى، على الرغم من كونها موجهة لخدمة الحكومات التي تتبعها وتقوم بتمويلها، والفارق هنا أن صناعة المحتوى متقدمة في الفضائيات الأجنبية عن المحلية.

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (Number of characters left) .

المقال التالي