تأسيس شعبة الدراسات الأمازيغية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس تحقيق لمبدأ العدالة المجالية…..

محمد ايت خويا:
في السنوات الأخيرة، شهد المغرب اهتمامًا متزايدًا بالثقافة الأمازيغية، سواء على المستوى الأكاديمي أو الاجتماعي. ورغم هذا الاهتمام، تظل بعض المؤسسات الأكاديمية تتردد في تبني شعبة الدراسات الأمازيغية. من بين هذه المؤسسات، كلية الأدب والعلوم الإنسانية بمكناس، حيث يتهم عميد الكلية، الامازيغي الأصل، بالتهرب من إنشاء هذه الشعبة.

الأمازيغية، بصفتها لغة وثقافة، تعتبر جزءًا لا يتجزأ من التراث المغربي. وقد تم الاعتراف بها كلغة رسمية في دستور عام 2011، ما دفع العديد من الجامعات المغربية إلى إنشاء برامج وشعب تهتم بالدراسات الأمازيغية. ومع ذلك، لا تزال كلية الأدب والعلوم الإنسانية بمكناس مترددة في إنشاء هذه الشعبة.

يعتبر العديد من الفاعلين والمهتمين بالشأن الأمازيغي أن عميد الكلية هو المسؤول الأول عن هذا التردد. وبالرغم من كونه أمازيغي الأصل، إلا أن موقفه يثير تساؤلات حول دوافع ذلك . ومن بين الاتهامات الموجهة إليه: الإهمال الإداري، حيث يعتقد البعض أن العميد يتعمد تجاهل المطالب المتكررة من الباحثين والأساتذة بإنشاء شعبة الدراسات الأمازيغية. كما يشير آخرون إلى أن العميد قد يكون تحت ضغط من جهات سياسية تعارض تعزيز الدراسات الأمازيغية. بالإضافة إلى ذلك، هناك من يعتقد أن العميد يفضل تركيز الجهود والموارد على شعب أخرى يراها أكثر أهمية أو ذات أولوية.

تحجج عميد كلية الأدب والعلوم الإنسانية بمكناس في عدم إنشاء شعبة الدراسات الأمازيغية ليس مجرد موقف عابر، بل يعكس نهجًا قديمًا يعاني منه المجتمع الأكاديمي. العديد من الأكاديميين والباحثين يرون أن هذا التحجج يتجاوز حدود الإهمال الإداري إلى مستوى القصدية في عرقلة أي جهد يرمي إلى تعزيز الثقافة الأمازيغية داخل المؤسسة.

يعتبر البعض أن تحجج العميد يتجلى في سلسلة من القرارات التي اتخذها خلال فترة ولايته. على سبيل المثال، تم رفض عدة طلبات ومقترحات لإنشاء الشعبة دون تقديم مبررات واضحة ومقنعة، مما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن هناك نية مبيتة لعرقلة هذا المشروع. بالإضافة إلى ذلك، يشار إلى أن العميد غالبًا ما يتجاهل الاجتماعات والمناقشات التي تطرح فيها قضايا تخص الدراسات الأمازيغية، مما يعزز من شعور الإحباط بين الأساتذة والطلبة على حد سواء.

إحدى الحالات التي تعكس تحجج العميد بشكل واضح تتعلق برفضه لمقترح تم تقديمه من قبل لجنة مختصة ضمت نخبة من الأساتذة والباحثين في مجال الأمازيغية. هذا المقترح كان يحتوي على خطة متكاملة لإنشاء الشعبة، بما في ذلك المناهج الدراسية والموارد اللازمة، إلا أن العميد رفض النظر فيه بحجة عدم توفر الموارد الكافية، رغم أن اللجنة قدمت أدلة على إمكانية تأمين التمويل والدعم اللازم من جهات متعددة.

تحجج العميد يتعدى مجرد الرفض الإداري، حيث يشير بعض النقاد إلى أن هناك حملة ممنهجة لتهميش الأصوات الداعمة للدراسات الأمازيغية داخل الكلية. فبالإضافة إلى رفض المقترحات، يتم تقليل فرص الترقية والتطور الوظيفي للأكاديميين الذين يدعمون هذه القضية، مما يخلق بيئة من الضغط والتخويف تحول دون إبداء الرأي بحرية.

رفض العميد لتأسيس شعبة الدراسات الأمازيغية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية مكناس هو في جوهره رفض لتحقيق مبدأ العدالة المجالية الذي نصت عليه الخطب الملكية السامية.  كما ان عدم تنويع العرض التربوي والبيداغوجي هو استخفاف ببنود الرؤية الاستراتيجية؛  وعدم إدراج مسلك الدراسات الأمازيغية بمكناس هو استخفاف بروح الدستور الذي أقر الأمازيغية لغة دستورية.

كما أن التحجج يظهر في موقف العميد من الفعاليات الثقافية والأكاديمية التي تركز على الأمازيغية. فقد تم إلغاء أو تقليص العديد من الأنشطة والندوات التي كانت مخصصة لتعزيز الدراسات الأمازيغية، بدعوى عدم ملاءمتها للأولويات الأكاديمية للكلية، مما يعكس عدم التزامه بالتعددية الثقافية والتوجهات الوطنية التي تهدف إلى تعزيز مكانة الأمازيغية في المجتمع المغربي.

هذا التهرب له عدة تداعيات سلبية على الطلبة والباحثين المهتمين بالدراسات الأمازيغية. ومن بينها  فقدان الفرص الأكاديمية، حيث يضطر العديد من الطلبة إلى البحث عن جامعات أخرى توفر هذه الشعبة، ما يزيد من التكاليف والصعوبات الأكاديمية. كما أن عدم وجود شعبة مخصصة يحد من تطور الدراسات الأمازيغية على المستوى الأكاديمي، ما يعوق البحث والتطوير في هذا المجال. ويثير هذا التهرب استياءً كبيرًا بين المجتمع الأمازيغي والنشطاء الثقافيين، ما يزيد من التوترات الاجتماعية والثقافية.

يبقى تهرب عميد كلية الأدب والعلوم الإنسانية بمكناس من إنشاء شعبة الدراسات الأمازيغية قضية تثير الكثير من الجدل والتساؤلات. وبالنظر إلى أهمية الثقافة الأمازيغية في المغرب، فإن الاستجابة لهذه المطالب يمكن أن تساهم في تعزيز الهوية الثقافية والوحدة الوطنية. يأمل الكثيرون أن يعيد العميد النظر في موقفه وأن يتخذ خطوات إيجابية نحو تحقيق هذه الشعبة في المستقبل القريب….

أستاذ التعليم الابتدائي وباحث في اللغة الأمازيغية

Share
  • Link copied
المقال التالي