سيرة روائية تضع حياة محفوظ تحت المجهر….

حسين عبد البصير : 

كتب الكثير عن حياة الكاتب المصري نجيب محفوظ وعن تجربته الأدبية ومسيرته في الحياة. أغلب هذه الأعمال التزم بالتوثيق والجانب التاريخي، لكن أن تعيد رسم ملامح حياة محفوظ من خلال مزج الواقع بالخيال، هو أمر لافت وجريء، يرصد جوانب خفية من حياة الكاتب وأفكاره ورؤاه، وهذا ما قام به الكاتب أحمد فضل شبلول.

“الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” عمل للكاتب والشاعر أحمد فضل شبلول يجمع بين السيرة الذاتية والرواية الخيالية لتقديم صورة درامية مبتكرة لحياة أديب مصر العالمي نجيب محفوظ. صدر عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة.

وتلك السيرة الروائية لا تكتفي بتوثيق حياة محفوظ، بل تستعرض محطات بارزة ومواقف إنسانية عبر مزيج من الخيال والواقع، ما يجعلها تجربة أدبية مميزة.

الرؤية الإبداعية:

تبدأ رواية “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” بمقدمة مثيرة تجذب القارئ منذ السطر الأول، حيث يتناول الكاتب أحمد فضل شبلول مقولة محفوظ الشهيرة للنجم الكبير أحمد زكي: “شخصيتي لا تصلح لفيلم”، ويقرر الكاتب رفضها بشكل قاطع، مؤكدًا أن حياة محفوظ مليئة بالأحداث الدرامية والتفاصيل الإنسانية التي تجعلها مادة خصبة لأية معالجة فنية، سواء كانت روائية أو سينمائية.

ينطلق شبلول في عمله من هذا التحدي، واضعًا حياة محفوظ تحت المجهر، ليستعرض المحطات الأكثر أهمية وإثارة فيها، إلى جانب الشخصيات التي أحاطت به، سواء من الواقع أو من خياله الأدبي. يكشف الكاتب، من خلال هذه الرؤية، عن حياة مليئة بالتحديات والإصرار، والصراعات الداخلية والخارجية التي صقلت شخصية محفوظ وألهمت أعماله العظيمة.

تتألف الرواية من 32 فصلًا، تُميزها عناوينها التي تحمل في الكثير منها أسماء أشهر روايات نجيب محفوظ، مثل “أولاد حارتنا”، و”الحرافيش”، و”ميرامار”، و”ثرثرة فوق النيل” وغيرها، ما يُشكل رابطًا بين سيرته الذاتية وإرثه الأدبي. هذه العناوين ليست مجرد أسماء لروايات محفوظ، بل تُشير إلى محطات ومحاور رئيسة في حياته وأفكاره، كأنها مفاتيح للدخول إلى عوالمه الداخلية والخارجية.

شبلول يقدم قراءة لحياة محفوظ مستندًا إلى الأحداث الواقعية لكنه يُضفي عليها لمسة درامية تقدم الكاتب من منظور جديد

في فصول أخرى، يحمل كل عنوان مفهومًا أو حدثًا يشير إلى جانب محدد من حياة محفوظ. ومن بين أبرز هذه الفصول: “محاولة اغتيالي”، ويخصصه الكاتب لتناول الحادثة الشهيرة التي تعرض لها نجيب محفوظ عام 1994، حين حاول أحد المتطرفين طعنه بسبب ما اعتُبر “إساءة دينية” في روايته “أولاد حارتنا”. يعرض شبلول تفاصيل الحادثة، وكيف أثرت على حياة محفوظ النفسية والجسدية، حيث فقد القدرة على الكتابة بيده اليسرى، مما أجبره على الإملاء، لكنه لم يفقد شجاعته أو إصراره على مواصلة الإبداع.

ويبرز شبلول في فصل “الأهرام” دور نجيب محفوظ ككاتب وصحفي بارز في مؤسسة الأهرام، التي مثلت جزءًا كبيرًا من حياته المهنية. يلقي الضوء على مكتب محفوظ في الأهرام، حيث كان يجتمع بكبار الأدباء والمثقفين، ويرصد دوره كمثقف متفاعل مع قضايا مجتمعه، مستخدمًا قلمه ليعبر عن أزمات الإنسان المصري وهمومه.

يخصص الكاتب فصل “شقة سان ستيفانو” لفترة خاصة قضاها محفوظ في الإسكندرية، حيث كان يسكن في شقة بمنطقة سان ستيفانو. يلقي الضوء على العلاقة الفريدة التي جمعت محفوظ بالإسكندرية، تلك المدينة التي كانت ملاذًا للراحة والإلهام، وشهدت أوقاتًا من تأمله وإبداعه. يرسم شبلول صورة حية لحياة محفوظ اليومية في المدينة، مستعرضًا كيف كانت شوارعها ومقاهيها جزءًا من فضائه الإبداعي.

ما يُميز هذه الفصول وغيرها في الرواية هو طريقة سردها المبتكرة، حيث يستخدم شبلول أسلوبًا روائيًّا يجمع بين الحكي الوثائقي والخيال الإبداعي. يظهر ذلك بوضوح من خلال الحوار والتأملات التي يضعها الكاتب على لسان محفوظ، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش داخل عقل هذا الأديب الكبير.

يستعرض الكاتب كيف لعبت التحديات التي واجهها محفوظ دورًا كبيرًا في تشكيل رؤيته الأدبية والإنسانية. فلا تكتفي الرواية بتقديم محفوظ كشخصية عظيمة في الأدب المصري والعالمي، بل تكشف عن تفاصيل حياته اليومية، عن إنسان عاش بين تناقضات المجتمع، وصارع التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، ليصبح شاهدًا ومؤرخًا عبر قلمه الفريد.

يقدم شبلول قراءة مميزة لحياة محفوظ، مستندًا إلى الأحداث الواقعية، لكنه يُضفي عليها لمسة درامية تجذب القارئ وتمنحه فرصة لرؤية محفوظ من منظور جديد، يتجاوز الكاتب إلى الإنسان الذي عاش بيننا.

يستخدم شبلول السرد بأسلوب روائي حيوي، يدمج بين الشخصيات الواقعية مثل جمال عبدالناصر وأم كلثوم، وتوفيق الحكيم، والشخصيات الرمزية التي أبدعها محفوظ مثل الجبلاوي وعرفة، وسعيد مهران، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه في حوار دائم بين حياة محفوظ وأدبه.

الإسكندرية ومحفوظ

الإسكندرية ليست مجرد محطة عابرة في حياة نجيب محفوظ، بل تمثل جزءًا لا يتجزأ من نسيج حياته وإبداعه، وهو ما أبرزه أحمد فضل شبلول بمهارة في رواية “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ”. في هذه الرواية، تتجاوز الإسكندرية كونها خلفية للأحداث لتصبح بطلًا مكانيًا فاعلًا، يمارس تأثيره العميق على أفكار محفوظ ورؤاه الإبداعية.

تُظهر الرواية العلاقة الخاصة التي جمعت محفوظ بالإسكندرية، المدينة التي كانت تمثل له ملاذًا صيفيًا ومكانًا للهروب من صخب القاهرة وزحامها. على الرغم من ارتباطه الوثيق بأماكنه المعتادة في القاهرة، مثل الحسين ومقهى ريش، فإن الإسكندرية كانت تحمل له طابعًا مختلفًا؛ فقد كانت نافذة للتأمل والهدوء، وفضاءً يلهمه لإعادة التفكير في قضاياه الشخصية والإبداعية.

في فصل بعنوان “شقة سان ستيفانو”، يتناول شبلول الفترة التي قضاها محفوظ في الإسكندرية، خصوصًا في شقته المطلة على البحر في منطقة سان ستيفانو. كانت هذه الشقة بمثابة محراب خاص لمحفوظ، حيث كان يجلس لساعات طويلة، ينظر إلى البحر الذي يبدو كأنه امتداد لتأملاته الداخلية. من خلال تفاصيل دقيقة، يرسم الكاتب صورة حية لحياة محفوظ اليومية في المدينة، بما في ذلك جولاته في شوارعها ومقاهيها التي شكلت جزءًا من فضائه الإبداعي.

g

الإسكندرية في الرواية ليست مجرد مكان يستقر فيه محفوظ، بل هي فضاء مفتوح يعكس حالة من الاغتراب والتأمل. تظهر المدينة كمرآة لصراعاته الداخلية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالهوية والانتماء. في الرواية، نرى كيف تتفاعل روح محفوظ مع أجواء الإسكندرية المميزة، التي كانت دائمًا تحمل طابعًا عالميًا ومزيجًا فريدًا من الثقافات المختلفة. فتحت هذه الأجواء أمام محفوظ آفاقًا جديدة للتفكير، وساعدته على استكشاف جوانب متعددة من شخصيته وإبداعه.

يشير شبلول إلى دور الإسكندرية في صياغة رؤى محفوظ الفنية، خصوصًا في الروايات التي تناولت قضايا الاغتراب والهوية. كانت المدينة ببحرها وشوارعها المتنوعة رمزًا للتحدي، لكنها في الوقت ذاته كانت ملاذًا يمنحه السلام. هنا، يعكس البحر في الرواية رمزًا للامتداد اللامتناهي، كما لو أنه كان يحتضن أفكار محفوظ وأحلامه، وفي الوقت نفسه كان يعكس قلقه وأسئلته الوجودية.

من خلال الإسكندرية، يضفي شبلول على الرواية أبعادًا فلسفية وإنسانية. يظهر ذلك من خلال تصوير الكاتب لتأملات محفوظ أثناء إقامته في المدينة، حيث كانت لحظات الوحدة أمام البحر فرصة لإعادة النظر في الكثير من القضايا التي شغلت ذهنه ككاتب وإنسان. يقدم شبلول صورة مغايرة للإسكندرية؛ ليست مدينة الاحتفالات والسهر فقط، بل مكانًا يحمل في طياته عمقًا شعوريًا وفكريًا يعكس حالة محفوظ النفسية.

ويستعرض الكاتب كيف أثرت أجواء الإسكندرية على طريقة تفكير محفوظ في علاقاته مع الآخرين. كانت المدينة، بمزيجها الثقافي والحضاري، دائمًا رمزًا للانفتاح والتنوع، وهو ما انعكس في أعمال محفوظ التي تناولت قضايا التسامح وقبول الآخر. يبدو وكأن الإسكندرية ساعدت محفوظ على رؤية العالم من منظور أوسع وأكثر شمولية، بعيدًا عن حدود القاهرة وتقاليدها.

ما يجعل هذا الجانب من الرواية مميزًا هو أسلوب السرد الذي يجمع بين التوثيق والخيال. لا يكتفي شبلول بتقديم الإسكندرية كمدينة عاش فيها محفوظ، بل يستخدمها كأداة سردية تكشف عن أبعاد جديدة في شخصيته. الإسكندرية، في هذا السياق، شريكٌ في تشكيل وعي محفوظ الأدبي والإنساني.

تُبرز الرواية الإسكندرية كعنصر أساسي في حياة محفوظ، ليس فقط ككاتب ولكن كإنسان يبحث عن ذاته وسط بحر من التساؤلات. تظهر المدينة في الرواية كفضاء يجمع بين الصخب والهدوء، بين الغربة والانتماء، مما يجعلها جزءًا لا يُمحى من ذاكرة محفوظ وإرثه الإبداعي.

الخيال يلتقي بالواقع

بفضل السرد المتقن، والشخصيات المعقدة، والمشاهد التي تجمع بين الدراما والرمزية، يمكن تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي

تتميز رواية شبلول بمهارة فريدة في الجمع بين الحقيقة والخيال، حيث يتلاشى الحد الفاصل بينهما بأسلوب سردي متقن يأسر القارئ. يعتمد الكاتب على حبكة مميزة تبدأ بجملة محفزة على لسان نجيب محفوظ: “دعوتك الليلة، ونحن في نهاية أغسطس، لأقص عليك ما لم أقصه على أحد من قبل.”

بهذا السطر، يفتح شبلول نافذة على عالم محفوظ الداخلي، حيث يُدعى القارئ إلى مشاركة لحظات خاصة وأسرار لم تُروَ من قبل. يجعل هذا التكنيك القارئ يشعر وكأنه يستمع إلى محفوظ مباشرة، مما يُضفي على النص واقعية نابضة بالحياة.

تتشابك ذكريات محفوظ الحقيقية مع الشخصيات التي ابتكرها في أعماله الأدبية، فيظهر محفوظ وكأنه يعيش داخل عوالمه الروائية، ويتفاعل مع أبطالها. يتجسد هذا الأسلوب في طريقة شبلول لرسم حياة محفوظ على الورق، حيث تبدو شخصيات مثل سي السيد وزهرة وحميدة ورؤوف علوان وكأنها تنبعث من رواياته لتصبح جزءًا من واقعه. يضفي هذا المزج بين الحقيقة والخيال على الرواية بُعدًا فلسفيًا، حيث يطرح سؤالًا مهمًا: هل يخلق الكاتب الشخصيات أم هي التي تخلقه؟

لا تكتفي الرواية بسرد حياة محفوظ ككاتب، بل تنقل القارئ إلى عوالمه الروحية والفكرية، حيث تتقاطع رؤاه الإبداعية مع تجاربه الشخصية. يستخدم شبلول الخيال كأداة لتسليط الضوء على الأبعاد النفسية لمحفوظ، ما يمنح الرواية طابعًا عميقًا يتجاوز التوثيق العادي.

يجعل هذا المزج المتقن الرواية أشبه بمرآة تعكس حياة نجيب محفوظ وأعماله معًا. إنها ليست مجرد حكاية عن الكاتب، بل تجربة فنية تأخذ القارئ في رحلة عبر الزمن، تجمع بين الحقيقة والخيال بأسلوب سلس وممتع.

وتتميز الرواية بامتلاكها عناصر سينمائية تجعلها قابلة للتحول بسهولة إلى عمل درامي أو فيلم سينمائي. يعرض الكاتب حياة محفوظ كأنها سيناريو متكامل، يعج بالمشاهد المؤثرة، والصراعات الدرامية، والشخصيات الغنية بالدلالات. تجعل هذه الخصائص الرواية عملًا مثاليًا للتكيف البصري، حيث تتشابك الأحداث الحقيقية في حياة محفوظ مع خياله الأدبي بمهارة درامية واضحة.

السيرة الروائية لا تكتفي بتوثيق حياة محفوظ، بل تستعرض محطات بارزة ومواقف إنسانية عبر مزيج من الخيال والواقع

كما يبرز شبلول العديد من اللحظات المحورية في حياة محفوظ، والتي يمكن أن تكون أساسًا لمشاهد سينمائية مؤثرة. من بين هذه اللحظات حادثة محاولة اغتياله الشهيرة عام 1994، والتي تعد نقطة درامية هائلة في الرواية، مثل مشهد الطعن في شارع النيل بالعجوزة، ثم نقل محفوظ إلى المستشفى، وما تلاه من تداعيات على حياته الشخصية والإبداعية، يقدّم فرصة بصرية قوية لتصوير الصراع بين الفكر والإرهاب، والتأثير النفسي والجسدي الذي خلفته تلك الحادثة.

يستعرض الكاتب لقاءات محفوظ مع رموز الأدب والفن، مثل جلساته في مقهى “ريش” أو مكتبه في مؤسسة الأهرام. يمكن لهذه المشاهد أن تكون مدخلًا لرسم ملامح الحياة الثقافية في مصر خلال القرن العشرين، وإظهار محفوظ وسط تلك النخبة كمفكر وقائد أدبي.

وتُعد الشخصيات الروائية التي أبدعها محفوظ جزءًا محوريًا من الرواية، حيث تحضر إلى عالمه الواقعي وتتفاعل معه بشكل رمزي. الشخصيات التي أصبحت أيقونات أدبية، تمنح الرواية زخمًا بصريًا، حيث يمكن تصويرها كرموز تعكس أفكار محفوظ وتطلعاته. تضيف تلك الشخصيات طابعًا بصريًا غنيًا للرواية، مما يجعلها قابلة للتكيف مع الشاشة من خلال مشاهد تجمع بين الواقعية والخيال.

أما الأماكن فهي بمثابة مسرح سينمائي، إذ تلعب دورًا بارزًا في الرواية، حيث تُبرز القاهرة والإسكندرية كمسرحين أساسيين للأحداث. يصوّر شبلول الأماكن التي عاش فيها محفوظ أو ألهمته بطريقة سينمائية. تلك الأماكن ليست مجرد خلفيات للأحداث، بل شخصيات بحد ذاتها تحمل طابعًا دراميًا وثقافيًا. يمكن أن يخلق تصوير تلك الأماكن بإضاءة خاصة وموسيقى مناسبة جوًّا سينمائيًّا فريدًا يعكس روح محفوظ وعصره.

كما أن النص غني بالحوار الذي يحمل بعدًا دراميًا قويًا. يستخدم الكاتب صوت محفوظ بأسلوب أقرب إلى البوح أو الاعتراف، مما يضيف عمقًا نفسيًا للشخصية الرئيسة. تضم الرواية شخصيات واقعية من حياة محفوظ، مثل المثقفين والفنانين الذين أثروا على مسيرته. يمكن أن تُجسد تلك الشخصيات على الشاشة لتقديم صورة حية عن الأجواء الثقافية التي عاشها محفوظ.

الرواية دعوة مفتوحة للقارئ لاستكشاف العمق الإنساني وراء الأديب الكبير، وتأكيد على أن حياة محفوظ كانت، ولا تزال، ملهمة

من ناحية أخرى فالرواية غنية بالدلالات الرمزية والبُعد الفلسفي، مما يمنحها طابعًا عميقًا يتجاوز السرد التقليدي. تتناول الرواية قضايا مثل الهوية، والاغتراب، والصراع بين الماضي والحاضر، وهي قضايا تصلح لتقديم عمل درامي مؤثر يجذب جمهورًا واسعًا.

وبفضل السرد المتقن، والشخصيات المعقدة، والمشاهد التي تجمع بين الدراما والرمزية، يمكن تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي عميق يجمع بين التوثيق والخيال. فلا تكتفي بسرد حياة محفوظ، بل تقدم تجربة فنية متكاملة تسلط الضوء على إبداعه وتأثيره الثقافي.

إن الأبعاد السينمائية للرواية تجعلها عملًا مهيأً للتكيف مع الشاشة، لتقديم رؤية جديدة عن محفوظ كأيقونة أدبية وإنسانية، ولإبراز التفاعل الفريد بين حياته الواقعية وعوالمه الإبداعية.

وهذا الكتاب – الذي ترجم إلى اللغة الإنجليزية – يأتي ضمن سياق ثقافي ومشروع أدبي لشبلول، فهو جزء من مشروع “الليلة الأخيرة” في حياة المبدعين، وسبق لشبلول أن كتب عن “الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد”. يبدو أن الكاتب يسعى من خلال مشروعه لتقديم سلسلة تستعرض الجوانب الإنسانية لشخصيات أثرت في الثقافة المصرية والعربية.

تُظهر الرواية نجيب محفوظ بصفته شخصية تتجاوز كونها رمزًا أدبيًا لتصبح تجسيدًا للحالة الثقافية والاجتماعية لمصر في القرن العشرين. يناقش الكاتب القضايا التي انشغل بها محفوظ مثل التغيرات السياسية، والتحولات الاجتماعية، ودور المثقف في زمن الأزمات.

يتأمل الكاتب في حياة محفوظ وأثرها الأدبي ويقدم شخصيته ليس فقط كروائي عظيم، بل كإنسان يعيش لحظات ضعف وقوة، وحب وخيبة، ونجاح وصراع. يظهر ذلك بوضوح في تناوله لحادثة الطعن التي تعرض لها، وكيف واجه محفوظ تلك المحنة بشجاعة. كما تسلط الرواية الضوء على علاقاته مع رموز عصره، مثل عبدالناصر، والسادات، وأم كلثوم، لتكشف عن تأثير تلك الشخصيات على رؤيته الإبداعية.

إن “الليلة الأخيرة في حياة نجيب محفوظ” ليست مجرد رواية أو سيرة ذاتية، بل هي عمل أدبي مركَّب يجمع بين السرد التاريخي والتأمل الفلسفي. ينجح الشاعر أحمد فضل شبلول في تقديم محفوظ من زاوية جديدة، تمزج بين الحقائق والخيال، بين الواقع والأسطورة.

الرواية دعوة مفتوحة للقارئ لاستكشاف العمق الإنساني وراء الأديب الكبير، وتأكيد على أن حياة محفوظ كانت، ولا تزال، ملهمة وقادرة على إثارة التساؤلات والتأملات.

Share
  • Link copied
المقال التالي